كلمات تحت المجهر

إنضم
28 أغسطس 2019
المشاركات
8
مستوى التفاعل
6
النقاط
3
الإقامة
سوريا
الجنس
ذكر
كلماتٌ تحتَ المُجهِر...شَر.



الشَرُّ والشُّورى، الطَباشير والشُرطي.

الشِّرِّيرُ والبشير، الشِّرْكُ والأشجار.

كيفَ يمكنُ لهؤلاءِ أن يتَّفِقوا!؟.

هذا ما سنراهُ من خلالِ عدسةِ المُجهِر.



الشَّرُّ، هي الجِزءُ مِنَ الكُلِّ, والأصلُ مِنَ الجزءِ.

الفصلُ مِنَ المجمل، العنصرُ مِنَ المادة.



قالَت العرَبيةُ، شَرَّ الماء، وشَرَّ الزَّيت...

لغَتُنا الماهرةُ البارعةُ ذهبَت بعيداً في جلبِ المَعاني من هذا الجَذرِ الفريد.

وابتكرَت أسماءً وأفعالاً يطولُ سرْدَها.

أولُها مفردةُ بَشَر.

البَشرُ مَهْما اختَلَفوا وتلَوَّنوا، هم مِنَ البِدايةِ.

من أصلٍ واحد، طينٌ لازِب.

يقولون بأنَّ بشر كلمة تعني اللحم.

ودليلُهُم أنَّ البَشَرَةَ هي من اللحم.

وكأني أراهم قد اشتَقُّوا الأصلَ من الفَرْع.



لكن من أين اكتسبَ هذا الجَذرُ سُمْعَتَهُ السيِّئة؟.

وحمَلَ معنى الشَّر، الَّذي هو خلافُ الخير؟؟.

قِيلَ بأنَّ البَشَرَ هم مَن فَعلوا ذلك!.

رُغم واقعيةِ هذا التخمين، إلّا أنَّ الفاعلَ هو شيءٌ آخَر!.

هو الحَطَبُ المشتَعِل... يرمي بجمراتهِ حولَهُ وهو يحترق.

أجزاءٌ صغيرةٌ تنسلِخُ عن الأصل وتنتشر.

تلك الشرّاة أو الشَّرّاتُ أو الشراراتُ المُتطايِرة، تُحدِثُ الألَمَ والأذى حيثُ تقع.

وربما الحرائقُ ثُمَّ الدمارَ والخراب.

هذا مبلغُ هَمَّ الشر، مَهْما اختلفت سُبُلُهُ وتنوَّعت أساليبُه.

العربيةُ بفَصاحتها المعهودة ,وفِطْنتها الغيرَ محدودة

تأخذُ الطرَفَ الآخرَ للجَذرِ شر ,وتُبْدِعُ لنا ما يثيرُ الدهشةَ والإعجاب.

باشَرَ، فعلٌ يعني بدأَ مع.

باشَرَ العملَ، لاقاهُ وكانَ معه.

عِندَنا هنا الحديثُ المباشَر ,واللقاءُ المباشَر ,والبثُّ المباشَر.

مَنْ مِنّا لاَ يعرِفُ نداءَ أبي سُفيان المشهور، (يا معشرَ قُريش).

المعشَر، أفرادٌ تؤلفُ بينهم روابطَ العيشِ والبيئةِ والمصلحة.

ويُكَوِّنوا عُصْبةً أو قَبيلةً أو عشيرة.

المعاشَرة، المصاحَبةُ لخدمةِ هدفٍ مشترك.

العشيرُ، هو الزوجُ أو الصاحب.

العشْرَةُ، تمامُ أصابعِ اليَدَين.



تُؤَرْجِحُنا عربيتُنا الماكِرَةُ اللعوبُ إلى الجهةِ الأخرى.

النَّشرُ، الإفرادُ والتوزيع.

نَشَرَ الثيابَ ، أفردها على الحبل.

مِنَ الحبلِ نَشَرَت العربيةُ ما سمحَ لها خيالُها الماتع.

وقالت، نَشَرَ المُؤَلِّفُ كتابَه, ودارُ النشرِ، والمنشوراتُ والمَناشير.

النَّشرُ أيضاً هو التقطيع، والمِنشارُ آلَتُه.

ما أجملَ العربية!؟.

نعَم، ما أجملَها وهيَ تَصُوغُ فعْلَ الأمرِ بَشِّرْ.

نَحَتَتْهُ بكُلِّ فَنٍّ وإبداعٍ مِنَ العبارةِ أبعِد الشَّر.

وكأنَّهُ يقولُ حدثني خيراً ولا تقُل شرّاً.

البَشيرُ، مَنْ يُحَدِّثُ بالخير.

البَشّارَة، الفَراشةُ تُعلِنُ عن قدوم الربيع.

التباشير، إماراتٌ وعلاماتٌ تُنبِئُ بقدومِ الخير.

تباشيرُ الربيع، تباشيرُ النصر، تباشيرُ العيد.

مِنَ الخطأ القول، تباشيرُ العاصفة أو تباشيرُ الهزيمة.

سؤالٌ هنا ...هل لِلطباشيرِ التي يُكتَبُ بها على السَّبُّورةِ مكاناً هنا؟.

الجوابُ نعَم، وقد قامَ الدليلُ على ذلك.

هي التباشير، الحِجارةُ الجيْريَّةُ البيضاء.

وقَلْبُ التاءَ بالطاءِِ ,والسينَ بالصادِ ,والكافَ بالقافِ مشهورٌ في لغتنا الجميلة.

العربُ كانوا يستَخدِمونَ الطباشيرَ خلالَ مسيرهم في الصحراء

ليرسموا على الصخورِ علاماتٍ ورموزٍ وإشارات.

تكونَ دليلَ السالكين إلى النجاةِ والسلامة.

وهَذا هو أصلُ الإشاراتِ المرورية, والشاخِصاتِ الطُّرقِية التي نعرفها اليوم.

هذا يفضي بِنا إلى عالَمٍ مِنَ السِحرِ والخيال اللغوي

الذي تجودُ بهِ لغَتُنا العظيمة، في كُلِّ مفردةٍ ومعنى ومصطلح!؟.

وما يؤكد ذلك تماماً، الفعلُ شَارَ.

شارَ، قَدَّمَ النصيحةَ أو التنبيهَ أو التحذيرَ أو الإرشاد.

وكُلَّ المفرداتِ التي إنْ أخذْتَ بها سلِمْت.

نقرأُ هنا...المشيرُ والشورى والمستشار.



نصلُ إلى مفردةِ شَجَر.

شَجَرَ، نَجَمَ عن وانبثَق.

تأمَّلَت العربيةُ المتبصِّرَةُ الشجرةَ وفكَّرَت مَليّاً في اسمٍ مُناسِبٍ لها.

ثِمارٌ، أزهارٌ، أوراقٌ، أغصان، كُلُّ هذا مِنْ أصلٍ واحد!؟.



أما الشِجار، فَلَا علاقةَ لها بالجَذرِ شر.

لكنَّ العربيةُ أرادت أن نَنْحَني أمامَ جلالَتها.

حينَ استلهمَت تَشابُكَ الأيدي والرؤوس أثناءَ العِراك بتشابُكِ أغصانِ الشجرة!.



الشَّطْرُ، قَطْعُ الشيءَ إلى قسمينِ متساويَينِ تماماً.

وهذا استدعاءٌ للدقَّةِ والمهارة.

لأن العربيةَ لا تتْرُكُْ بَاباً إلا وتطْرقُه، فتحت لنا بَابَين هنا

الأولُ هو الشاطر، أي الماهر.

الثاني هو الشطر، نظيرُ نظيره.

هنا أذكرُ طُرْفةً قالها مَجْمَعُ اللغةِ العربية.

حينَ عَرَّبَ كلمةَ سندويشة.

بأنها الشطرُ والمَشطُور, والكَمْخةُ بينهما!؟.

طبعاً لم يعملْ أحدٌ بهذا التعريب.



لنا هنا وقفةٌ طويلةٌ مع مفردةِ شعر.

لهذهِ المفردةُ ثلاثةَ مَعاني متغايِرة.

الشَّعْرُ، ما يكونُ على الرأسِ والبدن.

الشُّعورُ، ما يعتملُ داخلَ النفس.

الشِّعْرُ، الكلامُ المقفَّى المَوزون.

وليسَ صعباً على العربية، أن تُكَوِّنَ كُلَّ هذه المَعاني مِنَ الجَذرِ شر.

بعدَ أن عرفنا الكثيرَ عن الشر.

باتَ مِنَ الواضحِ دَلالَةَ الشَّعرِ من الشر.

أما الشِّعرُ والشُّعور، فهُما مرتبطانِ فيما بينهما.

لكي نفهمَ الشِّعر، يجبُ أن نفهمَ الشُّعورَ أولاً.

خَلَطَ الكثيرونَ بينَ الشعورِ والإحساس!.

معَ أنَّ العربيةَ تؤكدُ على أنهما مختلفانِ تماماً!.

الشُّعورُ هو رائزٌ داخلي، وما يعتملُ في داخلِ النفس.

الإحساسُ هو مستقبَلٌ خارجي، تعرفهُ الحَواسُّ الخمس.

نقولُ شَعَرَ بالخوف، وليسَ أحَسَّ بالخوف.

وأحَسَّ بالبرد، وليسَ شَعَرَ بالبرد.

المشاعرُ هي الفرحُ والحزنُ والخوفُ والأمانُ والحُبُّ والكراهية.

واليأسُ والأملُ والرضا والغضبُ والقبحُ والجَّمالُ والحَسَدُ والقهرُ والخجلُ والغُرورُ والوحدة.

والاغترابُ والحنينُ والقلقُ والشوقُ والحيرةُ والفخرُ والذُّل والعَدْلُ والظلم.

الإحساسُ هو الحرُّ والبردُ واللَّذَّةُ والألَمُ والصوتُ والصورةُ والطعمُ والرائحةُ والضغطُ والفراغ.

الخِفَّةُ والثِقَلُ والراحَةُ والتعبُ والخشونةُ والنعومةُ والصلابةُ واللِّين.

القساوةُ والطراوةُ والقرَفُ والشهوةُ والحكةُ والخدرُ والجُّوعُ والشبعُ والعطش.

وعلى هذا، أخْطأَ الشاعرُ الكبيرُ نِزار قَبّاني حينَ قاَل، أشعرُ بالبرد.

وغَنّاها المُطربُ كاظِم الساهر، رحِمَ اللَّهُ الأوَّلَ وغفَرَ للثاني.



إن الشُّعورَ لا يأتي لِوحدِه.

بل هو نِتاجُ مجموعةٌ مِنَ الرَوائزِ والأحداثِ والانفعالات.

إضافةً إلى مستوى الإدراكِ والتعليمِ والخبرة.

معَ الخيالِ والتَّصَوُّرِ وحِوارِ النفسِ والعاطفة.

ومَنْ كانَ لهُ القُدرةُ على التعبيرِ عن كُلِّ ذلك.

بفَصاحةٍ وبَلاغَةٍ وبيان، كانَ هو الشّاعِر.

وما يقولُهُ هو الشِّعر.

وإليكم هذا الشِّعرُ العظيم...

شَرَى حُبُّها في قلبي كما يشري الدَّمُّ في جسدي!!!.

شَرَى، توزَّعَ وانتشر.

إنَّ حُبَّ حبيبتي انتَشرَ في جسدي.

كما يَتوزعُ الدَّمَ عبر الشرايين.

ها أنا شرَحْتُ هذا الشِّعرُ العظيمُ المعقد ُالمُركب.

لأن الشَّرحَ هو التجزئةُ والتفكيكُ والتفصيلُ والتحليل.

شَرَد، تَرَكَ أصْلَه، فارَقَ الجماعة.

الشَّريدُ، من لا جماعةً لهُ ولا أصل.

في عِلْمِ الكيمياءْ، الشّاردَةُ هي ذَرَّةٌ تتْركُ مادَّتَها وتذْهبُ لِمَكانٍ آخَر.

وكُلُّ دراساتِ ظَواهرِ المادة، يجبُ أن تكونَ تحتَ الشرطَينِ النظاميَّين.

الشَّرطُ، المُحققُ لما يُراد أن يتحقق، مع لُزومِهِ وضرورتِه.

هذا ما نعرفه، لكنَّ العربيةُُ ترْوي لنا رِوايةً مختلفة!؟.

الشَّرطُ عندَها هو حبلٌ يلفُّ حول الخصْر.

تُعلَّق عليه السِّكّينِ وقرْبةِ الماءِ وحَجَرِ النار والعصا، وكُلُّ ما يَلزَم التنَقُّلِِ والترْحال.

وقد يكونُ على الكتف.

اليوم هو الشريطُ الحريريُ الأحمرُ الذي تُجْمَعُ عليهِ الأوسِمةِ والنَياشين.

من هنا نَفهَمُ ما هو شريطُ الحدود وشريطُ الكهرباء وشريطُ التسجيل.

والشريطُ اللاصق وشريطُ سكَّةِ الحديد.



الشريطُ، هو الحبلُ الذي تُرْبَط بهِ الجِمال، وتُشكِّلُ القافِلة.

ومن يربطها هو الشُرطي، الذي تعدَّى عملُهُ إلى المراقبةِ والخدمة.

هو في النهايةِِ مسؤولٌ عن أمنِ القافلةِ وفرضِ النظام.

وهذا ما نعرفهُ اليومَ عن رجالِ الشرطة.

أَوْغلَت عربيتُنا الفَذَّةُ في هذا المعنى.

حينَ أطلقَت على الحبلِ الرفيعِ الذي يربطُ أجزاءََ النعلِِ ويضمُّهُُ حول القدمِِ بالشِراك.

وظلَّت ماضيةً في روعتها واستوحت مِنْ تَشابُكِ شِراكَ النعلِ وقالت الشَّرَك.

وهو حِبَالُ المكيدةُ أو الفَخ.

اللَّهُمَّ لا تُوْقِعْنا في شِراكِ الشَّيطان.

فكُلُّ دُروبهِ تؤدي إلى الشِّرْك.

فَلا شِرِكةٌ ولا مُشارَكةٌ مع اللَّهِ الواحدِ الأحد.

نقرأُ هنا...الشركةُ والإشراكُ والمشاركةُ والتشارُكيةُ والإشتراكية.



هذا كُلُّ ما استطعتُ جمْعَهُ عن الجَذْرِ شَر.

الذي تأرجَحَت في دلالاتِهِ لغَتُنا الجميلةُ ما بينَ النقيضين.
 
عودة
أعلى